"الأخلاق و القيم و الشباب المعاصر"
إذا أردنا البحث عن تعريف محدد للقيم و الأخلاق فإنه لابد لنا البحث في ديننا وعاداتنا وتقاليدنا وتاريخنا عن القيم و الأخلاق التي وردت في القران و السنة و التاريخ، وإذا أردنا نعد تقييما للشباب وما مدى ارتباطه بالقيم والأخلاق الفاضلة.فإنه لابد لنا أن نقوم بتقييم موضوعي نراعي فيه متغيرات المجتمع في الزمان و المكان.
إن البحث في القيم و الأخلاق من منظور ديني يجعلنا أمام العديد من الأصول التي تلح على وجوب التحلي بمكارم الأخلاق "فقد قال عليه الصلاة و السلام(أقربكم مني منزلة أحسنكم خلقا)رواه البخاري وصححهالألباني في الأدب المفردوسئل عليه الصلاة و السلام عن أعظم ما يكون به دخول الجنة فقال (تقوى الله وحسن الخلق)رواه البخاري وصححه الألباني "
إن الإنسان خلق من مادة وروح وقدر له سبيل العيش ليسير في هذه الحياة وفق حكمته وإرادته ووفق ضوابط معايير وقيم تتميز بخصائص ثلاث:
-خاصية الثبات:معناها أن القيم ثابتة لا تتغير بتغير الزمان و المكان "العدل هو العدل في كل زمان ومكان "
- خاصية الاستمرار:ومعناها أن الإنسان مطالب بتحلي بهذه القيم والتزامها في مختلف مناحي الحياة.
- خاصية الشمول:ومعناها أن هذه القيم توجه سلوك الإنسان في مختلف مجالات الحياة،حيث تشمل علاقة الإنسان لربه وبنفسه وبأسرته وجيرانه.....
وللبحث في القيم و الأخلاق من المنظور الفلسفي:فمنذ نشأة الفلسفة اعتبرت الأخلاق مبحثا أساسيا من مباحثها واهتم الفلاسفة على مر العصور بتخصيص مكان هام للأخلاق في مذاهبهم الفلسفية على اعتبار أن الفلسفة تبحث في القيم الثلاث الأساسية: الخير، الحق، الجمال.
هذه المذاهب انقسمت إلى مذهبين رئيسيين " المذهب الفلسفي الذي يرى أن قوانين الأخلاق عامة لا تتأثر بحدود الزمان و المكان.و المذهب الاجتماعي الذي يرى أن الإنسان يتقيد بما يسود في مجتمعه من معتقدات وعادات وتقاليد. "
إذا أردنا أن نستعرض كتب الأخلاق التي كتبها فلاسفة الغرب فإننا سنجد ما جاء به القران في مجال الأخلاق ذو قيمة عظيمة لا بحسب الحياة العملية للمسلمين أنفسهم بل بالنسبة لأبناء البشر جميعا،ومعرفة القانون الأخلاقي كما جاء به القران يكمل ما جاءت به المذاهب الأخلاقية. وهو ما فطن إليه الكتاب المستشرقين الذين قاموا بجمع الآيات القرآنية التي تحتوي على قواعد السلوك الأخلاقي وترجمتها.كما يعتبر الفكر الإسلامي غنيا بالفكر الأخلاقي" ككتاب تهذيب الأخلاق" كابن مسكويه وكتاب"جواهر القران"للإمام الغزالي هذا الأخير الذي حاول عبر كتابه تحليل مادة القران وتصنيفها إلى قسمين كبيرين في مجال الأخلاق :أحدهما يتصل بالمعرفة "أي الناحية النظرية " و الأخر يتصل بالسلوك "أي الناحية العملية" .
من هنا يتضح أن الناحية النظرية "أي تلقين الأخلاق للأطفال في المدرسة و المسجد" لا تعدوا أن تكون سوى مرحلة أولية من مسار ترسيخ القيم و الأخلاق وأن المرحلة الثانية وهي الأهم هي تجسيد هذه الأخلاق و القيم في الممارسات و السلوك و الأفكار سواء ممارستها مع النفس أو مع الأخر.
فما مدى ترسيخ القيم الأخلاقية لدي الشباب المعاصر؟
إن المتتبع للأخبار اليومية و حوادث المجتمع يرى أن حوادث التحرش وجرائم السرقات وتجارة المخدرات و الإدمان و الرشوة.....،وقد ارتفعت نسبها في السنوات الأخيرة وهي مؤشرات تؤكد انهيار القيم الحاكمة للأخلاق في مجتمعنا وهو ما يجعلنا أمام التساؤل المطروحلماذا هذا التدهور؟وماهي سبل إيقافيه؟
إن سواد الجانب المادي في الحياة البشرية في مجتمعاتنا المعاصرة يعد من أبرز أسباب تدهور القيم الأخلاقية لدى الشباب بشكل خاص و المجتمع بشكل عام،وهو ما يطرح اختلالا نفسيا نتيجة لتأثر بالنزعة الإنسانية المتنامية لدى الشباب العربي الذي فصل وجوده عن الدين وبالتالي القيم الحاكمة للأخلاق،وهو ما يطرح أزمة القيم التي برزت بوادرها لدى الشباب المعاصر.
أمثلة:
-في العلاقات الإنسانية: لم تعد هذه العلاقات تحقق بعدها الإنساني وأصبحت علاقات مصالح (الصداقة مثلا : نادر ما تجد شخصا يصادقك من أجل شخصك بل تجد الصداقات مبينة على مصالح وأغراض خاصة.وهو ما يبرر توتر العلاقة عند أول مشكل يصادفه الصديقان فلا يتوانى طرف عن كشف أسرار الأخر).كذلك يمكن الإشارة إلى تفشي الحسد وسرعة الغضب وعدم احترام المواعيد.
- في الأسرة:يمكننا أن نأخذ مثالا على تدهور قيم الأخلاقية الحاكمة لعلاقة الآباء و الأبناء وبين الأبناء أنفسهم " من خلال بعض البرامج التلفزيونية التي تعري اختلال القيم والأخلاق بين الأسرة النووية "الخيط الأبيض" الذي تمر عبره الكثير من النماذج التي تؤكد انهيار القيم و الأخلاق(تعليل) ،كما يؤكد هذا الانهيار ارتفاع نسب الآباء و الأبناء المتخلى عنهم. (تعليل)
- في المدرسة:لم تعد الأخلاق الحاكمة للعلاقة بين الأستاذ و التلميذ يحكمها الاحترام و التقدير،بل أصبحنا أمام علاقات صراع وعنف ظاهر و خفي "ارتفاع نسب اعتداء التلاميذ على الأساتذة وهي ظواهر غريبة قد لا نجد لها تفسير سوى بطرح السؤال الأتي:هل العلاقة بين التلميذ و الأستاذ فيما سبق كان يحكمها الاحترام أو الخوف؟.وإذا افترضنا أنها علاقة خوف وهو أقرب تحليل للصواب فإنه بمجرد سقوط حاجز الخوف "بروز حقوق الطفل،حقوق الإنسان" وبالتالي ظهر تمرد التلميذ .
أما الجانب الأخر الذي يعدوا له تدهور القيم الأخلاقية مستوىالتعليم وانهزامه أمام الفكر الغربي،مما أدى إلى تبني قيم ومفاهيم جديدة غريبة علينا ومخالفة لديننا وعاداتنا وتقاليدنا بدعوى التقدم و التطور،و التي تم ترسيخها في عقول الشباب فصعب على هذا الشباب التمييز بين الحق و الباطل وهو ما نتج قيم جديدة فبين الصدق و الكذب مثلا توجد الكذبة البيضاء وبين الحلال و الحرام توجد شيء يتخذ صفات من قيمة الحلال و الحرام فيكون شيء لا هو بحرام أولا بحلال .
الإعلام من جانبه مسئول عن تدهور القيم الأخلاقية فالبرامج التلفزيونية لم تعد ذات توجه أخلاقي وتثقيفي بل أصبحت ذات بعد تجاري محض واتخذت من الشباب قاعدة استهلاكية، فأصبحت الإثارة سبيلا لجلب انتباه الشباب عبر "البرامج الغنائية الكثيرة".
نخلص من خلال تحليل الأسباب أن الخلل الذي يشوب القيم الأخلاقية لدى الشباب المعاصر ما هو إلا نتيجة لمجموعة من العوامل السالفة الذكر ومن بينها تفشي الجهل و الأمية وبالتالي ضعف التربية القيمية في المدرسة في الأسرة في المجتمع فالتلميذ مثلا يتلقى بعض القيم و الأخلاق الفاضلة لكن لا يرى لها تجسيدا داخل القسم وفي المدرسة " التمييز بين التلاميذ" وقد يمتد هذا التناقض داخل الأسرة فيجده لدى الآباء الذين يقولون ما لا يفعلون "الكذب".(عندما يعد الأب ابنه أنه في حال نجاحه سيشتري له دراجة ولا يفي الأب بوعده )
هذا التحليل يجرنا إلى نظرة المدرسة الاجتماعية للسلوك الإنساني و التي ترى أن الإنسان الذي يعيش في مجتمع معين لابد أن يعكس المبادئ الأخلاقية و العادات و السائدة في مجتمعه.
غير أن هذا التحليل قد يطرح إشكالا أخر وهو هل نحن ما زلنا نعيش في مجتمعاتنا القطرية و القومية ؟
هذا التساؤل يقودنا للبحث في تطور وسائل التواصل " الانترنيت،الفايس بوك...."التي جعلتنا أمام عولمة المجتمعات،أي أن الشباب أصبح يعيش في مجتمعات مختلفة ومخالفة للعادات و التقاليد،وبالتالي نرى شبابا يتخذ نماذج أخلاقية بعيدة كل البعد عن أخلاق مجتمعنا " نرى أشخاص يتخذون نماذج لأشخاص لا ترتبط لا بديننا ولا بعاداتنا "لاعبي الكرة فنرى الشباب يقلد قصة الشعر و اللباس وغير ذلك"
نستخلص أن البحث في الأسباب الكامنة وراء تدني القيم الأخلاقية هو متعدد وشامل ولابد أن تتم النظرة إليه من كل الجوانب (الأسرة،التعليم،الإعلام،المجتمع،...) ومسؤوليتنا كأفراد وكجماعات وكآباء وأمهات الغد أن نجري دراسات علمية دقيقة تشمل جميع المستويات لتقويم سلوك وقيم الشباب عبر المدرسة و الأسرة و المجتمع وترسيخ سلوك التعاون و التآخي بين الشباب عبر تشجيع الأعمال الاجتماعية و العمل في مجموعات.
وبتشجيع القيم الأخلاقية لدى الشباب يمكن أن نضمن مجتمعا يحترم نفسه قبل احترامه لأخر،كما يمكن أن نضمن استمرارية مجتمعنا وتطوره على رأي قولة الشاعر أحمد شوقي
إنما الأمم و الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا