بسم الله الرحمن الرحيم
عطية مرجان ابوزر
خاطرة ظلال سورة الفاتحة
التعريف بسورة الفاتحة : سورة الفاتحة بكامل آياتها السبع محكمات لم تتكرر أي من آياتها تكرار بناء حرفي في أي سورة من سور القرآن ونجد آية( والحمد لله رب العالمين في [الصافات : 182] يسبقها حرف واو لتضاف لما قبلها في السورة ولا تشبه آية 2 في الفاتحة " الحمد لله رب العالمين" فهذه ليست مضافة بل وتر محكمة.
مكية النزول : سورة الفاتحة نزلت كاملة بإجمالها .عن أبي سعيد بن المعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لأعلمنك أعظم سورة في القرآن، ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها " وعلى هذا القوللا في القرآن مثلها ) وقال تعالى فيها" وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر : 87]
خاطرة ظلال سورة الفاتحة التسمية :
أول الأسماء التي عرفت بها هذه السورة هو سورة الحمد وأم القرآن و لم يذكرها نبينا محمد أو أي من الصحابة باسم الفاتحة .
سميت هذه السورة بالفاتحة : للدلالة على أنها فاتحة القرآن : أو لأن ترتيبها في المصحف هو الأول و بها تفتتح تلاوة القرآن , أو كونها السورة التي بها تبدأ كل ركعة في الصلوات
تسمى أم القرآن لأنها تضم الآيات لمحكمات.و لاشتمالها على أصول ما جاء في القرآن من العقائد والعبادات والشرائع والقصص
سميت في القرآن السبع المثاني نسبة الى آياتها السبع.،قال جل وعلا " ولقد آتيناك سبعاً من المثاني " ( 87 - الحجر ) وثبت في الصحيح عن أبي هريرة - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحمد لله رب العالمين سبع آيات : بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن وهي السبع المثاني والقرآن العظيم وهي أم الكتاب وفاتحة الكتاب " وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم" هذه السورة هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيتلي"
لها أسماء أخرى.منها " الصلاة " لقوله صلى الله عليه وسلم عن ربه " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي....
لسورة الفاتحة الكثير من الأسماء قيل أنها بلغت العشرين اسما وذلك دليل على شرفها وفضلها فكثرة الأسماء عند العرب للشيء الواحد يدل على شرف المسمى. ومن هذه الأسماء:"الشافية., الوافية., الكافية وَالأَسَاسُ, الهداية,الاستعانة,الصراط...الخ... ولم يرد في السنة النبوية الشريفة من ذلك سوى أربع أسماء هي : فاتحة الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني، وأم الكتاب.
جاء فيها اسم (اللهِ) تبارك وتعالى - وهو أخص أسماءه وأولها، وهو اسم لم و لا يسمى به غيره سبحانه وتكرر مثنى من مثانيها " بسم الله "و " الحمد لله"
ورد فيها اسم (الرَّحْمَنِ) وهو اسم ممتنع لم و لا يسمى به غيرة أيضا ونكرر مثنى من مثانيه " الرحمن الرحيم (1) الرحمن الرحيم (3)
ورد فيها مناجاة الله تعالى بنداء القريب مثنى من مثانيها هما إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
ورد فيها ذكر الصراط مثنى أيضا هما " اهدنا الصراط و صراط الذين .
تقرأ 17 مرة يوميا في الصلوات الخمس المفروضة
السورة رقم 1 - رقم الصفحة 1 - الجزء الأول -
خاطرة ظلال سورة الفاتحة البيان والإعجاز في مضمون السورة: اشتملت سورة الفاتحة على الكثير من المواضيع نذكر منها:
الاستفتاح : في الآية 1 علمتنا كيفية استفتاح القول والعمل الحلال. بقولنا" بسم الله الرحمن الرحيم" وكانت في السورة أول باقة من أسماء الله الحسنى وكانت أولى كلماتها على الإطلاق وهي خمس أسماء ( الله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) وكلها أسماء علم مطلقة سمى الله تعالى بها ذاته وخاطب بها كأسماء غيب , تبعها بقوله " إياك "بمعنى المخاطبة للحاضر القريب سبحانه.
النظم والسجع اللغوي فثلاث آيات انتهت بـلحن السجع الجميل (يم) وهي:الرَّحِيمِ, الرَّحِيمِ,المستقيم, وأربع انتهت بـلحن (ين) الْعَالَمِينَ, الدِّينِ, نَسْتَعِينُ , الضَّالِّينَ.
خاطرة ظلال سورة الفاتحة بيان الإعجاز في سورة الحمد :
لسورة الفاتحة أهمية خاصة وفضل عظيم , كما أنها لها شرف معلوم عند الله تعالى و كافة المسلمين ومن ذلك :- الفاتحة سورة عظيمة فيها من العلوم ما هو جدير بالتعلم وفيها من التربية ما يتوجب العلم به وأخذه, عن عائشة رضي الله عنها -حديثا مرفوعا-(من أخذ السبع من القرآن فهو حبر) أي عالم في الدين .نقر نحن المسلمين , ويقر كل من حاول تدبر القرآن الكريم من غير المسلمين (لأي غرض) أن :-القرآن كتاب معجز للعلم والعقل ... وثبتت ضرورة إخضاع العقل لتدبر آياته " كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [صـ : 29] .
والإعجاز في تعريفه اللغوي الموجز : هو الحال أو الحدث أو القول الخارق للعادة , أو السبق في العلم و الخبر كقولهم - سبق صحفي - ومن الإعجاز القرآني ما لم يستطيع العقل تدبره كالغيبيات , ومنه الحاضر المرئي والملموس المعجز بكيفية وجوده وماهيته وكيفيته ...الخ , وهي الممكن تدبرها" لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ".. و التدبر :- واجب شرعي بنص الآية " لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ " والتدبر فتنة شرعيةفمن عقله آمن بما جاء فيه فكان فائزا , ومن كان غلف القلب واللب فقد ضل وكان من الخاسرين, ولذا نقر نحن المسلمين بالإعجاز القرآني , على اعتبار اعتقادنا العام بأن في كل آيات القرآن معجزات, و لا تخلو آية قرآنية من إعجاز أو أكثر, سواء كان لغوي , نحوي , بيان, تشريع ,قانون, نظم , لحن, عدد , بلاغة , قصة , حكمة ,أخبار... الخ , ونستدل بقول الله جل جلاله: " قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَاالْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء : 88]
بحث كثيرون في الإعجاز القرآني لسورة الحمد , فمنهم من توجه إلى البحث في الإعجاز اللغوي أو العددي الرياضي أو العقيدة وما إليه , ونحن هنا نقدم بدورنا ما شاء لنا الله تعالى من بيان بعض الإعجاز القرآني في هذه السورة لعلنا نضيف إلى جديدانضيفه إلى رصيد من سبقنا ,أعاننا وأثابنا الله وإياكم.
الإعجاز في النسك : لا صلاة كصلاةالمسلمين إذ لا تصح أي صلاة بدون سورة الفاتحة التي هي عمودها وفاتحتها, فسورة الفاتحة تقرأ في كل يوم سبع عشرة مرة في الصلاة المفروضة ؟ خمس صلوات فريضة فيها سبعة عشرة ركعة (ركعتان فجرا,أربع ركعات ظهرا,أربع ركعات عصرا,ثلاث في المغرب,وأربع أخيرة في العشاء) قالت السيدة عائشة رضي الله عنها:"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل صلاة لم يُقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج) أي أن كل صلاة من دونها غير كاملة. ويمكن للمصلي أن يكتفي بقراءة الفاتحة فقط في كل ركعة وهي أقل مقدار مسموح به للركعة.
الإعجاز في انفصال نسبها عن القرآن : الفاتحة أوتيت محمد من غير القرآن ."وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر : 87]
الإعجاز في تسميتها من عند الله : " وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَالْعَظِيمَ " [الحجر : 87]
الإعجاز في المثاني :- في القرآن الكريم له معاني جلية بينها القرآن فقد بين الله تعالى في الآية 23 من سورة الزمر أن معنى المثاني يكون في التأثر بالقرآن وآياته الترهيبية والترغيبية فما بين الترغيب والترهيب ومابين النذير والمغفرة تقشعر الجلود والقلوب وتلين وفي ذلك قال الله تعالى:- " اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ (1) تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ (2) ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ ... [الزمر : 23]وعلى هذا المنهج الرباني نتدبر المثاني في سورة الفاتحة بتوفيق الله تعالى.
وصف الله تعالى سورة الفاتحة بالسبع المثاني في قوله : "وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ" [الحجر: 87] بهذا المعنى نكون في السورة (آيات سبعة تقشعر لتلاوتها الجلود ثم تعودوتلين ) وقد وجدنا أن المثاني كانت في كل آية من آيات سورة الحمد تنطبق وتصدق هذا القانون للمثاني :
وكذلك كان فيه اسم الرحيم , الذي هو أرق الأسماء الحسنى بما يحمله من متعلقات المغفرة والتوبة وما إليها من يرق له القلب والجلد.المثاني القرآنية في (البسملة) مثنى من الشعور بالقشعريرة ثم اللين : فالاستعانة ببسم الله يوجب القشعريرة لأنه يصاحب
القول والعمل الإنساني المتطلب عون الله له على إتمامه بسلام , قال نوح عليه السلام وهو يدعو قومه للخلاص للنجاة من الطوفان المرعب الذي أنهى البشرية الأولى برمتها :".. ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ...[هود: 41] واكتفى وكان ذلك لشدة وعصبية الحدث والموقف وكانت الفتنة الشرعية العظمى فمن اختار الله ورسوله نجا باسم الله ومن اختار قسوة القلب والعناد باد بقدرة الله . وبسم الله نوح لم تلحق بها " الرحمن الرحيم " لما في الحال من غضب لله تعالى لا تتأتى معه ذكر أسماءه الرحمانية من مثل ذلك أننا لا نجد البسملة عند افتتاح سورة براءة لما يترتب على استفتاحها بغضب رباني لا تتأتى معه أسماء الرحمن والرحيم ,أو كما البسملة عند الذبح للأنعام فلا يقال بالرحمن الرحيم بل " بسم الله , الله اكبر" - بينما كانت بسملة سليمان عليه السلام كاملة بالرحمن الرحيم لان الحالة اختلفت فهناك حالة من الأمن والمسالمة والمراسلة والهدايا وما إليه , وليس في الحدث غضب ولا قتل كحالة نوح عليهما السلام. فبسملة نوح تقشعر لها الجلود وبسملة سليمان تلين لها الجلود وذلك مثنى الترهيب والترغيب في البسملة ذاتها . أما بسملة الفاتحة فكاملة المثاني أولها " الاستعانة بالاسم الأعظم الذي تقشعر له الجلود ثم الاستعانة به كرحمن رحيم إي بأسماء الرحمة التي تلين لها القلوب. كان الشق الثاني من البسملة أي اسمي الرحمن الرحيم يشتمل على مثنى آخر للترهيب والترغيب ذاتها اسم الرحمن الذي ترهبه كل الخلق في الدنيا والآخرة بدليل قوله تعالى:" رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لَايَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً [النبأ : 37] وذكر الرحمن يوجب الخشية :" مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ ... [قـ : 33]. " يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّامَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُوَقَالَ صَوَاباً [النبأ : 38]
المثاني في الآية الثانية " الحمد لله رب العالمين مثنى آخر من الشعور بالقشعريرة أولا للاستفتاح حمدا باسم الله الأعظم وما في ذكر هذا الاسم من وجوب القشعريرة لما فيه من تطابق اشتمال على كافة الأسماء والصفات التي لا يمكن يكون لعقل مخلوق إدراكها , مع علمنا بان اقرب الخلائق لله تعالى - الملائكة - يحمدون الله خوفا لقوله تعالى :"وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ...ِ [الرعد: 13] فالتسبيح تنزيه والتنزيه حمد, ,فوجب الشعور مع هذا بالرهبة " وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ [النحل : 51]
أما الرقة واللين في نلك الآية فكان في ذكر رب العالمين لان الربوبية تعنى الرعاية والحنو والرقة قال تعالى في أهل الجنة:" ...وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس : 10] و " تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف : 54]
في الآية الثالثة " الرحمن الرحيم" سبق بيانه أعلاه
في الآية الرابعة : "مالك يوم الدين " نجدالمثنى يبدأ بطيب ذكر الملك المبارك العادل بما ترق لذكره الجلود " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك : 1] ملك يوم الدين : صفة من صفات الله تعالى التي له منها اسمه العلم المطلق " الملك" وفي ثم يأتي ذكر اليوم الذي تقشعر منه الجلود وتذهل العقول وتفرغ القلوب يوم الدين وأحداث الساعة المرعبة "وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ [الصافات: 20]
في الآية الخامسة " إياك نعبد وإياك نستعين": إقرار بالرهبة والخوف حين الإقرار بالعبادة لله وحدة " إياك يا الله نعبد " ففي ذلك تسبيح والتسبيح من الرهبة للتنزيه عن الشرك والملائكة والرعد يسبحون خيفة. أما الاستعانة تتطلب الذلة والاستكانة, والاستعانة هي من التقوى والتقوى عاقبتها حسن الجزاء:" قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف : 128]
الآية الأخيرة :" صراط الذين أنعمت عليهم" وهذا صراط المنعم عليهم المرحومين برحمة الرحيم الرقيقة .ومثناها المخيف هم الملعونين من الله " غير المغضوب عليهم ولا الضالين" هذا هو المثنى في الآية 7