عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ))(متفق عليه
وكلكم يعلم أن أعلى درجات الحديث ما اتفق عليه الشيخان، الإمام البخاري، والإمام مسلم.
وفي رواية أخرى أوردها الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ(لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ مِنْ الْخَيْرِ))
الحقيقة أن الإيمان قد يوجد، ولكن قد يكون غير كاف لنجاة صاحبه، فأي إنسان أقر بوجود الله فهو مؤمن، و لكن يا ترى هذا الإقرار وحده يكفي ؟ لا يكفي، فإذا قال عليه الصلاة والسلام(لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ))
قد يكون مؤمنا، ولكن لا يؤمن الإيمان الذي يجعله يرقى في درجات القرب، لا يؤمن الإيمان الذي ينجيه من عذاب الله، فالإيمان واسع جدا، دائرة واسعة جدا، فإذا أقررت أن الله سبحانه وتعالى موجود فقد دخلت فيها، ولكن لا بد من التحرك إلى مركزها، في مركزها الأنبياء، و حول الأنبياء الصديقون، كبار المؤمنين، فلا يؤمن أحدكم بمعنى أنه لا يبلغ الدرحة الكاملة من الإيمان، أو الدرجة المنجية من الإيمان، أو الدرجة التي ترقى به في الإيمان إلا إذا فعل كذا وكذا.
الآن هذا الحديث يعد قاعد أصولية في الإيمان، أي أنت لن تكون مؤمنا على النحو الذي يرضي الله، لن تكون مؤمنا في الدرجة التي تنجو بها من عذاب الله، لن تكون مؤمنا في المستوى الذي يقبله الله عزوجل إلا إذا أحببت لغيرك، لأخيك، إنْ في الإنسانية، و إنْ في الإسلام، و إنْ في الإيمان، و إنْ فيمن حولك، على كل كلما وسعت الدائرة فأنت أرقى، لأن النبي بعثه الله رحمة مهداة، و نعمة مزجاة، وقد تجدون بعض الدول المتقدمة التي تهيئ لشعوبها مستوى معيشيا مرتفعا جدا، و راقيا جدا، و لكن هذا على حساب بقية الشعوب، أنت لا ترضى عن هذا المجتمع الذي يعيشه أفراده في هذا المستوى الرفيع على حساب أنقاض شعوب أخرى، هذه نظرة ضيقة، لا ترضى عن مجتمع إلا إذا قام على العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص.
هذا الذي يُسأل عن شاب من أجل الزواج، فيسأله السائل: بالله عليك، أنشدك الله، هل ترضاه لابنتك ؟ واللهِ الذي لا إله إلا هو لو قال له: نعم، أو بلى، أرضاه لابنتي، وهو في الحقيقة لا يرضاه لابنته فقد غش الله ورسوله، وقد غش عامة المسلمين، انطلاقا من هذا الحديث، أتزوجه ابنتك ؟ أتقبله لابنتك ؟ ادرس الوضع، لو جاءك هذا الخاطب هذا الخاطب يريد ابنتك هل تقبل به، أم أن لك اعتراضات كثيرة على أخلاقه، وعلى دينه وعلى سلوكه
لذلك هذا الذي يتوهم أن الدين صلاة وصيام وحج وزكاة، وانتهى الأمر فقد وقع في وهم كبير، الدين أعظم من ذلك، الدين يقوم على هذه العبادات، لأنه يقوم على أسس أخلاقية.
إذًا: كما يقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((... وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا))
لذلك المؤمن يراقب الله عزوجل، لو أتاه طفل صغير ليشتري لحما يعطيه اللحم الذي يأكله هو، هذا الطفل ليس بإماكنه أن يراقبه، ولا أن يقيم عمله، ولا أن يوجهه، لكن القصاب المؤمن لا يعطيه إلا الشيء الذي يرضى الله عنه، حتى إنهم قالوا: إن عظمة الدين أن كل علاقة بين اثنين الله بينهما، أخطر شيء، وأعظم ما في الدين أن أية علاقة بين اثنين، بين زوجين، الزوج يتقي الله في زوجته، والزوجة تتقي الله في زوجها، والبائع يتقي الله فيمن يبيعه، والمشتري يتقي الله فيمن يشتري منه، أحيانا يكون البائع مغدورا، أعطاك صنفا مكان صنف خطأ، أخطأ معك في الحساب، البائع قد يغفل عن مصلحته.
وفيما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث مُعَاذٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَفْضَلِ الْإِيمَانِ قَالَ:
((أَنْ تُحِبَّ لِلَّهَ، وَتُبْغِضَ لِلَّهِ، وَتُعْمِلَ لِسَانَكَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ، قَالَ: وَمَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ، وَأَنْ تَقُولَ خَيْرًا، أَوْ تَصْمُتَ))
(أحمد)
بل إن النبي جعل الله دخول الجنة، و نهاية الآمال منوط بأن تحب للناس ما تحب لنفسك، قال فيما رواه الإمام أحمد عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيِّ وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((أَتُحِبُّ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَحِبَّ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ))
(أحمد)