أحكام قضاء الصوم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد :
فهذا درس عن أحكام قضاء الصوم وما يتعلق به، فعلى المسلم معرفة بعض الأمور ومنها:
أولاً: قضاء الأيام الفائتة من رمضان يجب على التراخي حتى رمضان المقبل، باتفاق العلماء.
لكنه يستحب المبادرة للقضاء بعد زوال العذر لمن له عذر، ويجب القضاء إذا تضايق الوقت من شعبان، ولا يجوز تأجيل القضاء إلى رمضان آخر من غير عذر، فإن فعل فعليه القضاء مع الكفارة على الراجح، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، لورود الأثر في هذا عن ابن عباس عند البيهقي بسند صحيح، وقد صححه النووي في المجموع، وكذا ورد أثر آخر عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، وعند الأحناف القضاء فقط.
ثانياً: القضاء كالأداء من حيث العدد، فمن فاته ثلاثة أيام يصوم بدلاً عنها ثلاثةَ أيام فقط.
ثالثاً: لا يجب التتابع في القضاء، فيجوز أن يصوم ثلاثة أيام متفرقة.
ولكن التتابع أفضل لأنه أشبه بالأداء. وبعضهم أوجب أن يكون القضاء متتابعاً على صفة الأداء، وبعضهم لم يوجب ذلك، وهؤلاء منهم من خير، ومنهم من استحب التتابع، والجماعة على ترك إيجاب التتابع.
وسبب اختلافهم تعارض ظواهر اللفظ والقياس، وذلك أن القياس يقتضي أن يكون الأداء على صفة القضاء، أصل ذلك الصلاة والحج.
أما ظاهر قوله تعالى:{فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}(184) سورة البقرة، فإنما يقتضي إيجاب العدد فقط لا إيجاب التتابع. وروي عن عائشة أنها قالت: "نزلت فعدة من أيام أخر متتابعات فسقط{متتابعات}.
وقال بعضهم في صوم قضاء رمضان: إنه يشترط فيه التتابع, ولا يجوز إلا متتابعاً, واحتجوا بقراءة أبي بن كعب -رضي الله عنه- أنه قرأ الآية " فعدة من أيام أخر متتابعات " لكن قد روي عن جماعة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهم علي وعبد الله بن عباس وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وعائشة وغيرهم -رضي الله عنهم- أنهم قالوا: "إن شاء تابع وإن شاء فرق" فتبين أن قراءة أبي بن كعب لو ثبتت فهي على الندب, والاستحباب دون الاشتراط, بخلاف ذكر التتابع في صوم كفارة اليمين, في حرف ابن مسعود -رضي الله عنه- لأنه لم يخالفه أحد من الصحابة في ذلك, فصار كالمتلو في حق العمل به1.
رابعاً: أن دَين الله أحق بالقضاء: فمن مات وعليه صوم استحب لوليه قضاؤه، لما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه)2 ولحديث ابن عباس أنه قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ فقال: (لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟) قال نعم، قال: (فدين الله أحق بالقضاء)3.
وذهب الجمهور إلى أنه كما لا يصلي أحد عن أحد، ولا يتوضأ أحد عن أحد، قالوا كذلك لا يصوم أحد عن أحد، فقالوا: لا صيام على الولي، وأولوا حديث: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه) قالوا: يعني فعل ما يقوم مقام الصوم وهو الإطعام، فهو أن يُطعم وليه عنه مسكيناً كل يوم، وذلك للحديث: (من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكيناً)4 رواه الترمذي، وهو موقوف على ابن عمر.
وقال بعضهم: لا صيام ولا إطعام إلا أن يوصي به، وهو قول مالك، وعند الشافعية، فالولي مخيَّر بين الصيام والإطعام، وفرق قوم بين النذر والصيام المفروض، فقالوا: يصوم عنه وليه في النذر، ولا يصوم في الصيام المفروض.
والصحيح الصيام عنه، لحديث عائشة أنه قال عليه الصلاة والسلام: (من مات وعليه صيام صامه عنه وليه)5
سادساً: حكم من ترك القضاء حتى مات:
من ترك قضاء رمضان حتى مات لا يخلو من حالتين:
الأولى: إن ترك القضاء لعذر فمات فليس عليه شيء، لأنه لم يتمكن من القضاء، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها كما قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}(286) سورة البقرة، وهذا ليس بوسعه القضاء.
الثانية: إن ترك القضاء لغير عذر فمات فهذا على خلاف بين أهل العلم هل يُصام عنه أو يطعم عنه؟
والصحيح أنه يشرع لوليه أن يصوم عنه لحديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلّم- قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه).6
ويتعلق بقضاء المسافر والمريض مسألة مهمة وهي :
إذا أخرا القضاء بغير عذر إلى أن يدخل رمضان آخر:
"فقال قوم: يجب عليه بعد صيام رمضان الداخل القضاء والكفارة، وبه قال مالك والشافعي وأحمد.
وقال قوم: لا كفارة عليه، وبه قال الحسن البصري وإبراهيم النخعي"7.
والصواب أنه إذا كان التأخير لعذر فلا عليه إلا القضاء فقط، لأن المعذور يجوز له الفطر في رمضان، فتأخير القضاء من باب أولى، وإن كان بغير عذر فعليه القضاء والكفارة إطعام مسكين عن كل يوم.
وأما الحامل والمرضع إذا أفطرتا ماذا عليهما؟
"قيل:يطعمان ولا قضاء عليهما، وهو مروي عن ابن عمر وابن عباس. وقيل: إنهما يقضيان فقط ولا إطعام عليهما، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وأبو عبيد وأبو ثور. وقيل: أنهما يقضيان ويطعمان، وبه قال الشافعي، وقيل: أن الحامل تقضي ولا تطعم، والمرضع تقضي وتطعم"8.
والصحيح إن خافتا على أنفسهما فعليهما القضاء فقط، وإن خافتا على أنفسهما وطفليهما فعليهما القضاء والإطعام.
وأما الشيخ الكبير والعجوز اللذان لا يقدران على الصيام فلهما أن يفطرا ويطعما عن كل يوم مسكيناً، لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (184) سورة البقرة.
قال قتادة: "فكان أهل العلم يرَوْن ويرجُون الرخصةَ تثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا لم يطيقا الصومَ أن يفطرا ويُطعما عن كل يوم مسكينًا"9.
وعن ابن عباس في قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}قال: "الشيخ الكبير الذي لا يُطيق فيفطر ويُطعم كل يوم مسكينًا"10.
هذا ما تيسر ذكره في أحكام القضاء، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
1 - بداية المجتهد - (ج 1 / ص 239) بتصرف
2 - صحيح البخاري - (ج 7 / ص 51 - 1816) وصحيح مسلم - (ج 6 / ص 5 - 1935)
3 - صحيح مسلم - (ج 6 / ص 7 – 1937)
4 - سنن الترمذي - (ج 3 / ص 158 - 651) وانظر ضعيف الجامع الصغير ( 5853 )
5 - صحيح البخاري - (ج 7 / ص 51 - 1816) وصحيح مسلم - (ج 6 / ص 5 - 1935)
6 - بداية المجتهد - (ج 1 / ص 236) بتصرف
7 - بداية المجتهد - (ج 1 / ص 240) بتصرف
8 - بداية المجتهد - (ج 1 / ص 240)
9 - تفسير الطبري - (ج 3 / ص 426)
10 - تفسير الطبري - (ج 3 / ص 431)
لا اله الا انت سبحااااااانك اني كنت من الظالمين