"يوصي مؤتمر السلامة المهنية بنقابة الصحفيين للمصورين ضرورة استخراج خطاب رسمي قبل النزول إلى أي اشتباكات إلى جانب توفير أدوات الحماية اللازمة, وإلا فلا تفعل فليس هناك صورة تساوي حياتك ولم يعد هناك انفراد" ..
تدوينة خطها الشهيد أحمد سمير عاصم على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" يوم 23 يونيو الماضي, دون أن يدرك أن انفراد عدسته بتصوير قناص غادر فجر الاثنين الماضي خلال مجزرة الحرس الجمهوري كان يساوي حياته.
يقول عمرو صلاح الدين -المصور الصحفى بوكالة انباء الصين - وهى إحدى أولى الأماكن التى نشرت خبراستشهاد احمد - أن أحد الأطباء الذين أعرفهم اتصل بى وأخبرنى أن من بين الشهداء مصور صحفى ولم يكن يعلم اسمه، فإتصلت باحد زملائنا الذى توجه إلى المكان فاتصل وعلمت بعدها بان هذا الشهيد هو احمد, وتناثرت أنباء بعد ذلك بأنه لم يمت وإنما فى العناية المركزة بالتأمين الصحى وهو ما دفع والده إلى الإتصال بى للتاكد ، إلى أن جاءنا الخبر اليقين.
وأضاف صلاح: لطالما أخبرنى الشهيد أحمد برغبته فى السفر من أجل تصوير الحروب، وخاصة حلمه فى السفر معى لتغطية ما يحدث فى سوريا بعدسته.
وتابع: كنت أقيم دورة عن طرق السلامة والأمان فى تصوير الأحداث وحضرها احمد قبل استشهاده بإسبوعين، وتقريباً لم يفعل بها، فكان كل تركيزه يكون فى الوصول للقطة التى يريدها غير عابئ بالمخاطر المحيطة بها، ويتضح من الفيديو الآخر الذى صوره أحمد انه كان مكشوفاً للقناصة، الذين ما إن رآوه حتى اودوا بحياته.
وأكد أن أحمد كان شغوفاً بالتعلم، فكان يقف مع المصوريين الأكبر منه سنا وخبره يسأل بإستمرار عن معدات التصوير وانواع الكاميرات، وكيفية إلتقاط صور بطرق معينة، كما كان يسأل دائماً عن أدوات الحماية، وأحمد مقارنة بسنه وخبرته المحدودة إلا إنه من أشجع المصورين الذين التقيت بهم فى حياتى، وكان يتعلم بسرعة، وكان مُصغى.
وأشار إلى أن جميع زملائه شهدوا له بأخلاقه فكان طيب ومؤدب وخجول وشغوف بالتعلم، وأتذكر حينما كانت تواجه أحد المصورين صعوبة فى الدخول إلى رابعة اتصل بأحمد الذى يخرج ليصطحبهم من يدهم إلى المركز الإعلامى هناك.
أما خالد كامل -المصور الصحفى, الذى لم يتمالك نفسه وانهمرت الدموع من عينه أثناء استرجاعه شريط ذكرياته مع رفيقه فى ذات الجريدة، فيروى؛ أتذكر آخر مرة التقيت بها الشهيد احمد كانت يوم 3 من الشهر الجارى فى ميدان رابعة، وجه كان جميل جداً وطلبت منه 50 جنيهاً لأنه لم يكن معى سوى 12 جنيهاً فوضع أحمد على الفور يده فى جيبه ووجد معه 50 جنيهاً فقط فطلب منى أن أخذ 30 جنيهاً فى حين سيبقى الـ 20 جنيها معه، رفضت إلا إنه أصر وحلف على بأن أخذ الـ 30 جنيهاً كامله.
وأستطرد: "اصطحبنى إلى المركز الإعلامى وفى طريقنا كان يلتقط عدة صور وكنت اداعبه فرد على "سيبنى اشتغل يا خالد"، واصلح اللاب توب الخاص بى، وقال لى "عايز حاجة تانى يا عم .. سلام" مخلفاً وراءه ابتسامه عالقة فى ذهنى حتى الآن، واتذكر آخر حديث جمعنى بأحمد كان قمه فى الأدب والأخلاق كما عهدته ولكن تلك المرة كان لها بريق خاص، لافتاً إلى أن أحمد كان ماهراً فى عمله.
ويكمل خالد حديثه المختنق من حزينه على زميله كنت فى كل مرة التقى بها أحمد أطلب منه أن يعتنى بنفسه وألا يلقى بنفسه فى مخاطرة من أجل التقاط صورة من الممكن أخذها من أى وكاله المهم حياته فكان يرد على "محدش بيأخد أكتر من عمره ".
وأضاف: أحمد كان دائما يحاول أن ياتى بالصورة، وفى لقائنا الآخر تبدل الحال فطلب هو منى أن اعتنى بنفسى, قائلاً "شكل البلد داخله على حرب اهلية".
وتابع: التقيت ايضاً يوم 30 يوينو صدفة بأحمد حيث وجدته ينادى علي بعلو صوته حتى اسمعه، وقال لى "وحشتنى يا خالد" وأخبرنى بأن النت معه لم يكن يعمل وطلب منى أن يرسل الصور للجريدة من عندى، ووجدته وقتها واضعاً "توكة فى شعره" وسألته عن السبب فأجابنى "لازم أمشى مع الجو والمضطر يركب الصعب، حتى أتمكن من إخراق الصفوف والتقاط الصور دون أن يعترضنى أو يعتدى على أحد وممكن يكسروا الكاميرا" ثم وجدته ينزعها ونظر لى وتبادلنا الإبتسامات وأخذ يقول لى والله الناس لا تفهم الدين أو الشريعة، واخذ فى هذا اليوم يصور الطائرات، كان معجب بها كثيراً.
ورغم أن محمد هشام "المصور بجريدة المصري اليوم" لم يقابله طيلة حياته، إلا أنه سمع عن كريم خصال أحمد فجمعهما تعاطف زمالة مهنة، وتعاطف كبير بعد موته خاصة أن اليد التي قنصته اغتالت حياته الشابه التي مازالت تتشكل.
"شاب يسعى في رزقه" هذا ما اقترفته يد أحمد عاصم حتى تنتهي حياته بحسب هشام الذي يرى أهمية معاملة المصورين معاملة خاصة داخل مؤسساتهم، تبدأ بالتأمين على معداتهم، مشيراً إلى أنه يعقد شهرياً "ملتقى الفوتوغرافيا" وأول ندوة ستكون عن الشهيد عاصم.
"كان يتلمس خطى الخبرات الجديدة".. تعرف باسم عادل "المصور بجريدة البديل" على الشهيد أحمد وهو يرفع هذا الشعار، فأحمد – بحسب باسم - بدأ حياته المهنية كمرافق للمصورين الأجانب اكتسب خبرات عديدة، كان طموحاً يميل للصور ذات الزوايا المختلفة، كان يبحث عن الكادر الخاص منذ أيام مليونيات مابعد الثورة.
باسم توقف قليلاً قبل ان يسترجع آخر موقف جمعه بأحمد رحمه الله – ورغم أنني كنت أهاتف باسم ولم أقابله حينما كان يحدثني عن الشهيد الا انني أشعر جيداً ما ألم به وهو يستعيد آخر موقف جمعه به فكلنا على هذا الحال – فقبل مجزرة الحرس الجمهوري بيوم واحد تقابل الشهيد عاصم وزميله باسم دار الحوار بينهما كتالي: (باسم: واحشني يا أحمد بقالي كتير ماشوفتكش، خلي بالك من نفسك، فيرد الشهيد: ماتقلقش المكتوب مكتوب".
كان أحمد يهوى قراءة الكتب الأجنبية عن التصوير الفوتوغرافي وفنونه، فكان بمثابة مكتبه لزملائه، فباسم يؤكد أنه رغم حب الشهيد للتصوير عموماً الا انه كان يميل لتصوير الفوتوغرافيا فقط وكان أغلب مشاداته مع زملائه لرفضه استخدام الفيديو في التصوير، الا ان يشاء القدر أن يلقى ربه بسبب فيديو صوره لأحد القناصة وهو يطلق النار على المصلين أمام دار الحرس الجمهوري فجر الاثنين القادم، وابداعه جعله يصور فيديو وقت المجزرة رغم ارتباطه بالفوتوغرافيا.
اما كريم عبد الكريم ، المصور الصحفى بجريدة اليوم السابع، فيقول بكيت حين علمت بنبا إستشهاد زميلنا احمد رغم اننى لم تربطنى به علاقة قوية، ولكن فى المرات القليلة التى التقيته بها تؤكد انه شخص رائع ومحترم ولم يكن يسبب أى مشاكل لزملائه ، وعلمت بنبا وفاته من خلال الجروب الخاص بنا كمصورين صحفيين على موقع التواصل الإجتماعى الفيس بوك.
وأضاف كريم: أول مرة التقيت به كانت فى ساقية الصاوى وأرسل صوراً من على الحاسب الآلى الخاص بى وآخر مرة التقيته كانت فى خطاب الدكتور محمد مرسى الأخير، ولم اكن اعلم فى أى جريدة يعمل ولم أعرف يوماً إن كان ينتمى لجماعة الإخوان من عدمه فكانت تصرفاته وسطية غير متشددة ، فشغله الشاغل كان عمله.
وأكد انهم كمصورين صحفيين يكونوا مستهدفين بصورة كبيرة بغض النظر عن انتمائتهم السياسية خاصة، من يصرعلى الوصول للقطات تظهر حقيقة ما يحدث مثلما حجث مع احمد حين قام بتصوير القناصر، لافتاً إلى أنه هو ايضاً يصله الكثير من التهديدات ولكنه مستمر فى عمله.
قال أحمد حسينى المصور الصحفى,: أحمد كان طيب جداً، واخر فتره كان وأخد جنب لوحده، كان خدوم إلى أبعد مدى، كنت أبحث عن عمل قبل سفرى وظل يبحث لى وعندما علم بأني سأسافر قال لي "لما ترجع "، سيتصل بمدير التصوير فى جريدته الحرية والعدالة ويطلب منه بأن أعود فيها من جديد.
وأضاف: أتذكر بأنه كان عندما يأخذ عدسات أو فلاشات، لم يكن يحضر معها الأغطية الخاصة بها، وعندما نشتكى يقول "لما أموت أبقوا خدوها" وبالفعل هذا ما حدث، فأخذنها من حقيبته ويضيف حسينى آخر مره رآيت فيها أحمد كانت فى الثانية ليلاً يوم المجزرة أي قبل وفاته باربع ساعات تقريباً سلمت عليه، وقال لى وقتها "انا عايز معدات أمان عشان الضرب"، وطلب من صحفى مغربى ايضاً كتباً للسلامة وحقوق المصور الصحفى، وكنا فى آخر يوم التقيت به نعمل ومتحمسين، وتكته وآخر شئ رآيته هو ابتسامته وذهبت البيت لأنام.
وجاءت أختى توقظنى فجراً وتقول لى "اصحى صاحبك مات" لم أدرك الأمر فى البداية وقولتها "طيب" فى المرة الثالثة وجدتنى اهرول مسرعا ونزلت من المنزل، وركبت السيارة, لكني وجدت الجيش "عامل كماشة"، والشوارع مغلقة، وحين وصلت وجدت كاميرته عليها دمائه، وأخبرونى بأنه فى مستشفى التأمين الصحى ، أقسمت وقتها أن دماؤه لن تضيع هدراً ، وأنى سانقل الحقيقة إلى ان اموت.