السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حبيبة رب العالمين ورسوله الأمين
الحمد لله الذي بذكره تطمئن القلوب، وبمناجاته تهدأ النفوس، وبقربه تزول الهموم والغموم، والصلاة والسلام على إمام الذاكرين وقدوة الناس أجمعين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وصحابته الغر الميامين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
حديثي معكم اليوم أيها الأحبة يا أبناء عائشة - رضي الله عنها - في مشارق الأرض ومغاربها عن أمنا وحبيبتنا وقرة عيونها أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -.
عائشة، الأُذن تطرب لسماع اسمها، والقلب يفرح لذكرها والنفس تزكو بحبها، الصديقة بنت الصديق، والعتيقة بنت العتيق، حبيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل هي أحب الخلق إليه - صلى الله عليه وسلم -، وابنة حبيبه وصاحبه ورفيق دربه الصديق الأكبر - رضي الله عنه -.
الطاهرة النقية، الشريفة العفيفة الأبية، نقية الطرف، مصونة العرض، طاهرة المنبت والمنشأ، عريقة الأصل والفرع، المبرأة من النقائص والعيوب، المعراة من ارتياب القلوب، الحصان الرزان، الصوامة القوامة، العابدة، القانتة، الزاهدة، الموفقة، الحافظة للغيب بما حفظ الله، الذاكرة ربها كثيراً، العالمة المحدثة، الفقيهة الداعية، الواعية العاقلة، الحازمة الصادقة، الحبيبة الكريمة، المنفقة المتصدقة..... أمنا أم المؤمنين أم عبد الله عائشة - رضي الله عنها -.
أبوها: هو الصديق الأكبر، ورفيق درب الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، العتيق الصديق، رضي الله عنه، ثاني اثنين إذ هما في الغار، والخليفة الأول بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
أمها: الصحابية الجليلة والمرأة النبيلة أم رُومان بنت عامر بن عويمر - رضي الله عنها -.
كنيتها: أم عبد الله، كناها النبي - صلى الله عليه وسلم - بابن أختها عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهم أجمعين -.
زوجها: هو خير خلق الله قاطبة، سيد المرسلين، وخاتم النبيين عبد الله ورسوله محمد بن عبد الله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي بنت ست سنين أو سبع سنين في مكة في شوال، وبنى بها وهي بنت تسع سنين في المدينة في شوال أيضاً، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة سنة، [أخرجه مسلم].
أقول: ليس بغريب ولا عجيب أن كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة صادق في إسلامه محسن في إيمانه يحب أمنا أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها وأرضاها- ؛ وذلك لأن حبنا لها من مقتضيات الإيمان الذي لا يكتمل إيمان العبد إلا به؛ وذلك لأن حبنا لأم المؤمنين وتعظيمنا لجنابها الطاهر الشريف، هو من مظاهر حبنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعلوم عند الجميع أن محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه وتوقيره والذب عنه من أساسيات الإيمان الذي لا يتم إيمان المرء إلا به، عن أنس - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليهما مما سواهما،...)) الحديث ([1]).
وفي رواية الإمام أحمد في المسند(13151): " لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.... الحديث ".
فمحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تمام الدين وكماله وأساسه، فإذا تقرر ذلك عُلم أن من لوازم محبة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - محبة من يحب، ومن تتبع سير صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجدهم كانوا يتسارعون في محبة ما يحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان ذلك في أقل القليل، فمن ذلك مثلاً ما أخرجه الشيخان البخاري (2902) ومسلم (2041) من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: "إن خياطاً دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطعام صنعه، قال أنس بن مالك - رضي الله عنه -: فذهبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك الطعام، فقُرِّب إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبزاً ومرقاً فيه دباء([2]) وقديد([3])، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتتبع الدباء من حوالي القصعة. قال أنس: فلم أزل أحب الدباء من يومئذ ".
أرأيت يا عبد الله ويا أمة الله كيف كان صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - يتسارعون في محبة ما يحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ لأنهم يعلمون أن محبة ما يحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قربة إلى الله ودين يُدان لله به، فما هو الظن بهم وبكل مؤمن تجاه أحب الخلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ بلا شك سيكون حبهم لهذا الشخص حباً ينبع من محبتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالواجب أن يكون هذا الشخص الذي أحبه النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المقدم في المحبة عند سائر المؤمنين الصادقين.
أتدرون من هذا الشخص الذي ملك لب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستحوذ على كل مشاعره، حتى أنه عندما سُئل - صلى الله عليه وسلم - من أحد الصحابة الكرام وهو عمرو بن العاص - رضي الله عنه - وهو في محفل من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فقال له يا رسول الله، من أحب الناس إليك؟ فبماذا أجاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ من هذا الذي حظي بالمكانة الأولى والمقام الأعلى والمحل الأسنى في قلب الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -؟ قال - صلى الله عليه وسلم - مجيباً على سؤال سيدنا عمرو - رضي الله عنه -: (( عائشة )) هكذا نطق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون تفكير ولا تردد ولا استحياء ولا خجل، أمام تلك الجموع الغفيرة من أصحابه الكرام رضوان الله عليهم " أحب الناس إلى قلبي عائشة ".
أنعم بها من شهادة، وأكرم به من حب، ولذلك قال سيدنا أنس - رضي الله عنه -: " أول حب في الإسلام حب النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة " ([4]).
فائدة عظيمة
قلت: من البديهي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحب ولا يقدم في الحب إلا من أحبه الله - جل وعلا - وقدمه في الحب، وأمر ملائكته الكرام - عليهم السلام - بمحبته، ومصداق ذلك ما رواه الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض )) ([5]).
وعلى هذا فإن أمنا أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - هي مِن أحب الخلق إلى الله - عز وجل - وإلى ملائكته الكرام - عليهم السلام - بعد الأنبياء والرسل صلوات ربي وتسليماته عليهم جميعاً.
وعلى هذا يجب ويتعين على كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة صادق الإسلام صافي الإيمان صحيح المعتقد سليم المنهج والطريقة أن يحب أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - وأرضاها وتكون ممن يقدمها في الحب على من سواها من الخلائق بعد الأنبياء والرسل وفي مقدمتهم رسولنا صلوات الله وتسليماته عليهم جميعاً.
· مظاهر محبة الله - جل وعلا - لعائشة - رضي الله عنها -.
مظاهر محبة المولى - جل وعلا - لعائشة - رضي الله عنها - كثيرة جداً واضحة لكل مسلم أنار الله بصيرته ووفقه لاتباع الحق والهدى، من ذلك مثلاً أمر المولى - جل وعلا - نبيه ومصطفاه بالزواج منها، فعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: " قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( أُريتك في المنام ثلاث ليال، جاءني بك الملك في سَرَقَة ([6]) من حرير فيقول: هذه امرأتك فاكشف عن وجهك فإذا أنت هي، فأقول إن يكن هذا من عند الله يُمضيه )) ([7]).
وعنها أيضاً قالت: "أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة " ([8]).
فنلاحظ هنا أن المولى - جل وعلا - هو الذي أمر نبيه ومصطفاه - صلى الله عليه وسلم - بأن يتزوج عائشة - رضي الله عنها -، ومن المعلوم والمقرر والمجمع عليه أن أحب الخلق إلى الله قاطبة وأقربهم منه، وأعلاهم منزلة، وأرفعهم مكانة هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما هو الظن بربنا - جل وعلا - عندما يختار لنبيه وحبيبه وصفيه وخيرته من خلقه امرأة يتزوجها ويقترن بها، وليس في الدنيا فقط بل في الدنيا والآخرة؟ فو الله وبالله وتالله لن يختار الله لنبيه ومصطفاه إلاَّ خير نساء الخلق لكي يقترن بها، وهذا إن دل فإنما يدل على اصطفاء ومحبة الله لأمنا عائشة - رضي الله عنها -.
وصدق من قال على لسانها:
إني خصصت على نساء محمد *** بصفات بر تحتهن معاني
وسبقتهن إلى الفضائل كلها *** فالسبق سبقي والعَنَان عِنَاني
وأتاه جبريل الأمين بصورتي *** فأحبني المختار حين رآني
ومن أجل وأعظم مظاهر محبة الرب جل جلاله وتقدست أسماؤه لأمنا أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، الدفاع عنها وتبرئتها من الزور والبهتان والإفك الذي رُميت به من أخس وأنجس وأكفر خلق الله قاطبة المنافق الأكبر والزنديق الأوحد عبد الله بن أُبي بن سلول عليه لعائن الله المتتابعة والمتلاحقة إلى يوم أن يلقي الله وهو عليه غضبان، ويؤمر به بأن يُسْحب على وجهه ويُلْقى في الدرك الأسفل من النار هو من تبعه وسار على نهجه واقتفى أثره في النيل والسب والشتم من أمنا أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -.
لم يشأ المولى - جل وعلا - أن يُظْهر براءة السيدة النقية الطاهرة المطهرة المبرأة الحصان الرزان أم المؤمنين - رضي الله عنها -، أقول لم يشأ ربنا الرحمن الرحيم أن يُظْهر براءتها برؤى يراها المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وينتهي الأمر، لا، بل أمر جبريل الأمين أن ينزل على الحبيب الكريم - صلى الله عليه وسلم - بالوحي المنزل من رب العالمين بآيات تُتْلى إلى قيام الساعة، ونزل جبريل - عليه السلام - بأمر من الملك العلام على قلب خير الأنام محمد - صلى الله عليه وسلم - وفي حضرة أمنا عائشة - رضي الله عنها - وحضرة أبيها الصديق الأكبر - رضي الله عنه - وأمها أم رومان - رضي الله عنها -، لقد سمع ورأى المولى - جل وعلا - بكاء أمنا أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بل وبكاء البيت البكري كله، فأنزل البراءة من عنده - سبحانه - كرامة لها -نفسي لها الفداء -وكرامة لأبيها وأمها، وقبل ذلك صيانة لعرض حبيبه ورسوله ومصطفاه - صلى الله عليه وسلم -.
يا مسلمون، يا مؤمنون، يا يهود، يا نصارى، يا رافضة، يا مجوس، يا جميع ملل الأرض، هل بعد هذا التشريف تشريف؟ وهل بعد هذا الحُب من حب؟ وهل بعد هذا التمجيد من تمجيد؟ هل بعد هذا التعظيم من تعظيم؟ هل بعد هذه البراءة من براءة؟ و هل بعد هذا الدفاع من دفاع؟ من الذي يُشرف؟ ومن الذي يُحب؟ ومن الذي يُمجد؟ ومن الذي يُعظم؟ ومن الذي يُبرئ؟ ومن الذي يُدافع؟ إنه الله جل جلاله وتقدست أسماؤه، ومن الذي شُرِفَ؟ ومن الذي عُظِمَ؟ ومن الذي مُجدَ؟ ومن الذي تولى الله براءته؟ ومن الذي دافع الله عنه؟ إنها عائشة الصديقة بنت الصديق والقريبة إلى قلب الحبيب - صلى الله عليه وسلم -.
أبعد هذا يحق لأي كائن من كان أن يسب ويطعن في هذه السيدة الشريفة الطاهرة المطهرة المعظمة والمبجلة والمبرأة من فوق سبع سموات؟
إن الطعن في أم المؤمنين - رضي الله عنها - هو تكذيب لله - جل وعلا - أولاً، - تعالى -الله عما يقولون الكافرون الآثمون الأفاكون علواً كبيراً، وهذا كفر بالإجماع قولاً واحداً جملةً وتفصيلاً.
ثانياً: هو تدنيس لعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا كفر أيضاً بالإجماع.
ثالثاً: إن الطعن في أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -.
هو في الحقيقة طعن في اختيار الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -، إذ أنه - سبحانه - هو الذي اختار هذه المرأة الفاضلة لتكون زوجاً لخيرخلق الله قاطبة، وأحب الخلق إلى الرب - سبحانه وتعالى -([9]).
فائدة عظيمة القدر:
يقول الإمام أبو بكر بن الطيب - رحمه الله تعالى -: " إن الله - عز وجل - إذا ذكر في القرآن ما نسبه إليه المشركون -أي من الولد وغير ذلك من النقائص - تعالى -وتقدس-سبح نفسه لنفسه ([10]) ولما ذكر الله - تعالى -ما نسبه المنافقون إلى عائشة - رضي الله عنها - في قوله تعالى: ( وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ...) (النور من الآية (16)).
فسبح نفسه لنفسه في براءتها من السوء، كما سبح نفسه في التنزيه من السوء " أ. هـ.
قال القاضي عياض - رحمه الله تعالى -معلقاً على الكلام السابق: " وهذا يشهد لقول مالك في قتل من سبها، ومذهب الشافعي - رحمه الله تعالى -أن قذفها والطعن فيها أيضاً كفر " أ. هـ.
قلت: -خالد -وتسبيح المولى - جل وعلا - نفسه لنفسه عند ذكره - سبحانه - ما نسبه المنافقون الأفاكون لأمنا أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - من أجل وأسمى مظاهر محبة المولى - جل وعلا - لهذه السيدة الطاهرة المطهرة التقية النقية رضوان الله عليها.
وصدق من قال في مدحها بحال لسانها:
وتكلم الله العظيم بحجتي *** وبراءتي في محكم القرآن
والله عظمني وعظم حُرمتي *** وعلى لسان نبيه برّاني
والله في القرآن قد لعن الذي *** بعد البراءةِ بالقبيح رماني
والله وبخ من أراد تنقصي *** إفكاً وسبحّ نفسه في شاني
وبناء على ما تقدم فإني أشهد وأعتقد وأدين لله بأن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - من أطهر أهل الأرض وأنقاهم، وفي الآخرة من أهل الجنة، وذلك بشهادة الله - جل وعلا - لها بذلك وملائكته المقربون ونبيه - صلى الله عليه وسلم - وصالح المؤمنين والمؤمنات، ألم يقل جبريل - عليه السلام - بأمر الملك العلام لنبي الله - صلى الله عليه وسلم - عن عائشة - رضي الله عنها - " إن هذه زوجتك في الدنيا والآخرة "([11]).
ومعلوم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الآخرة في أعلى المنازل في الجنان، وأمنا أم المؤمنين عائشة معه في تلك المنازل ولاشك، وغيرها من زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - الطاهرات رضوان الله عليهن جميعاً.
فهي - رضي الله عنها - في أعلى درجات الجنان مع زوجها النبي العدنان - صلى الله عليه وسلم - وليس كما يقول هذا الأفاك الأَنّوَكْ ([12]) الأثيم الملعون صاحب الجريمة الشنعاء المدعو " ياسر الحبيب " بل هو العاسر البغيض إلى قلوب المؤمنين الصادقين فعليه سحائب اللعنات من رب الأرض والسماء إلى يوم يلقى الله وهو عليه غضبان هو وشيوخه المعممين وفي مقدمتهم الشيرازي الخبيث الفاجر الكافر الداعر إذا لم يتب من إفكه ويستغفر من ذنبه.
ومن مظاهر محبة المولى - جل وعلا - لأمنا عائشة - رضي الله عنها - أنه ما نزل الوحي من رب الأرباب على نبيه - صلى الله عليه وسلم - في لحاف واحدة من نسائه غيرها، وأكرم بذلك من شرف، قال - صلى الله عليه وسلم - لأم سلمة - رضي الله عنها - لما كلمته في شأن عائشة - رضي الله عنها - " لا تؤذيني في عائشة، فإن الوحي لم يأتني وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها " فما ملكت أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها - إلا أن قالت: أتوب إلى الله من ذاك يا رسول الله" ([14]).
ولذلك قال القائل في مدحها بلسان حالها:
وسمعت وحي الله عند محمد *** من جبرائيل ونوره يغشاني
أوحى إليه وكنت تحت ثيابه *** فحنا علي َّ بثوبه وحباني
ومظاهر محبة المولى - جل وعلا - لأمنا عائشة - رضي الله عنها - كثيرة جداً، لكن فيما ذُكر كفاية لمن أراد الرشاد والهداية ([15]).
ولمحبة المولى - جل وعلا - لأمنا أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أحبها النبي - صلى الله عليه وسلم - كل الحب، وعلم الناس كلهم بهذا الحب، بل أعلنها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الملأ من أصحابه الكرام كما مر معنا في حديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه -.
ولذلك كان الصحابة يتحرون بهداياهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما يكون يومه عند عائشة - رضي الله عنها -، مما أثار ذلك حفيظة نسائه رضي الله عنهن جميعاً واشتكين من ذلك، كما جاء بذلك الخبر في صحيح البخاري (3775) ومسلم (2441) من حديث عائشة - رضي الله عنها - يبتغون بذلك رضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ومظاهر محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمنا عائشة - رضي الله عنها - أكثر من أن تُحصى أو يأتي عليها العد، وجِماع القول في ذلك قول أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها - قالت يوم أن ماتت عائشة - رضي الله عنها -: " اليوم ماتت أحب شخص إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ([16]).
فهل بعد هذا الفخر من فخر؟ وبعد هذه المنزلة منزلة؟ وتلك المكانة من مكانة؟
من ذا يفاخرني وينكر صحبتي *** ومحمد في حجره رباني
وأخذت عن أبوي دين محمد *** وهما على الإسلام مصطحبان
وأنا ابنة الصديق صاحب أحمد *** وحبيُبه في السّر والإعلان
فالفخر فخري والخلافة في أبي *** حسبي بهذا مفخراً وكفاني
فهل بعد هذا يسع مسلم أو مسلمة يدعي الإيمان بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ومحبته وموالاته ومحبة آل بيته وموالاتهم كما يدعي أولئك الكفرة الفجرة الأفاكون أصحاب العمائم السوداء سود الله وجوههم في نار جهنم وأتباعهم من الهمج الرعاء، ثم تجد الواحد منهم يطعن في أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالذات عائشة - رضي الله عنها - بعد براءة الله من فوق سبع سموات بقرآن يتلى إلى قيام الساعة!!
هل يظن بمن هذا حاله أنه صادق في دعواه في إيمانه بالله وبرسوله - صلى الله عليه وسلم - ومحبته ومحبة آل بيته الأطهار؟ إن من أقدم على هذه الجريمة البشعة لهو من أفجر خلق الله وأكفرهم وأبغضهم عند الله وعند رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعند المسلمين قاطبة، وسيلقى جزاءه الأوفى غير منقوص في نار جهنم مع شيخه الأول والمنافق الأكبر الذي تولى كبر هذا الإفك المبين عبد الله بن أبي بن سلول لعنه الله لعنة يستجير منها أهل النار أقول سيلقى من هذا حاله هذا العذاب العظيم والهوان الأليم إذا لقي الله بهذا الكفر العظيم، ولم يُحدث قبل الموت توبة ورجوع وأوبة نسأل الله السلامة والعافية.
نصيحة غالية:
فيا أيها السني لا تغفل عن حُب حبيبة الحبيب - صلى الله عليه وسلم - ولا تنساها ولاتتناساها، واحفظ فضلها وارعاها، فما أعظمها وأوفاها، لقد سعد من أمَّ([17]) أُم الأمة بالمحبة ووالاها، فما أوفى مناقبها، وما أسنى مراتبها وأعلاها، حازت فنون العلم والآداب، فمن ذا الذي قاربها وداناها، لو لم يكن من فضلها غير براءة الله لها وحب الرسول لها لكفاها، ما شانها شأن الإفك ولا وهْهَاهَا، لقد أنزل براءتها من السماء سيدها ومولاها، آيات تُتلى من الملأ الأعلى من جرّاها، ما أحلى ما يتغنى بها السُّني إذا تلاها، ليت شعري كيف يقرأ هذه الأبيات من يعيبُها ويشْنَاها([18])، لو يستطيع الرافضي الخبيث "عاسر البغيض" وأسلافه وإخوانه وشيوخه الأبالسة الشياطين محْوها من المصحف لمحاها، ما كان نبينا يُقدِّم عليها في المحبة سواها، فقيل له من أحب الناس إليك؟ فسمّاها، ما نزل عليه الوحي ولا آيات الذكر في لحاف امرأة سواها، فسبحان من حباها بهذه الفضائل والشمائل وأعطاها، تزوجها الحبيب المصطفى صغيرة فعلمها آداب النبوة وفي حجره وبيته الطاهر ربّاها.
فأكرم بهذا من فضل، وأنعم به من شرف وفخر عبر الأزمنة والعصور رغم أنف كل رافضي وزنديق في الدياثة، والخنا والفجور مخمور.
فاللهم ارض عن أمنا أم المؤمنين عائشة وباقي أزواج نبينا الطاهرات العفيفات، وعن باقي الصحابة أجمعين، اللهم ارض عنهم والعن من لعنهم، اللهم عليك بمن نال من عرض رسولنا - صلى الله عليه وسلم - وآذاه في أحب الخلق إليه، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أخرس لسانه، وشل أركانه، وقوض بنيانه، وشتت شمله، وفرق جمعه، واخذله وأذله، ولا تجعل له في العالمين خبراً، ولا في الماضين أثراً واجعله ومن معه ومن عاونه وآزره وشايعه وناصره مع شيخه الأول وإمامه الأوحد عبد الله بن أبي بن سلول في أسفل سافلين في الدرك الأسفل من النار، وأعلي ذكر أمنا عائشة - رضي الله عنها - في الدراين واشفِ صدور قوم مؤمنين محبين لأمهم أم المؤمنين، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بتصرف.
ـــــــــــــــــــــــ
[1]. متفق عليه أخرجه البخاري (16) ومسلم (43).
[2]. الدباء هو نبات القرع المعروف.
[3]. القديد: هو اللحم المملح المجفف في الشمس انظر حاشية السندي على سنن ابن ماجة (6/309)(3303).
[4]. أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (2/44) والخرائطي في اعتلال القلوب (29) (19) والخطيب البغدادي في تاريخه (1636) ولكن من قول الزهري.
[5]. متفق عليه أخرجه البخاري (2309) ومسلم (2637).
[6]. السرقة بالقتح أي القطعة.
[7]. متفق عليه أخرجه البخاري (3895) ومسلم (2438).
[8]. أخرجه الترمذي (3880) وأحمد (7094) والبزار في مسنده (266) وغيرهم بإسناد صحيح كما قال الإمام الألباني في صحيح الترمذي.
[9]. سوف أفرد بحثاً خاصاً بإذن الله - تعالى -في الحديث عن هذه الجزئية، أسأل الله التوفيق والسداد والدعاء من إخواني وأخواتي أن يسددني الله ويمدني بعون من عنده على إتمام هذا الأمر الخطير حباً لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولأمنا أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - ودفاعاً وذباً لعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعرض نساءه الطاهرات.
[10]. قلت: والتسبيح هو التنزيه عن كل نقص وعيب وهذا يقتضي الاتصاف بكل كمال وجمال وجلال.
[11]. سبق تخريجه.
[12]. معنى (الأنوك) الذي بلغ الغاية في الحمق والسفاهة.
[13]. معنى (اللخناء) أي بلغت الغاية في العهر والفجور ومن معانيها أيضاً النتنة والتي لم تختن واللخن هو قبح ريح الفرج.
[14]. أخرجه البخاري (3775).
[15]. سوف أتناول هذا الموضوع الهام في بحث مستقل ضمن الموسوعة الكبيرة التي عزمت على كتابتها في السيرة العطرة لأمنا عائشة - رضي الله عنها - نسأل الله العون والمدد والتوفيق والسداد.
[16]. ذكره الصالحي الشامي في كتابه سبل الهدى والرشاد (11/170) وسوف نفرد بحثاً خاص في هذا الموضوع دلائل محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - ولعل هذه المواضيع والمباحث تخرج في كتاب موسوعي شامل عن حياة أمنا أم المؤمنين - رضي الله عنها -، نسأل الله العون والمدد والسداد والتوفيق.
[17]. أمَّ أي قصد.
[18]. يشناها: أي يبغضها ويحقد عليها ويعاديها.