لا تيأس أيها المحروم
أبشر أيها الأخ الحبيب! فإن الله عز وجل يقول: {إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً} [مريم:60] .
التائب أعتق نفسه من أسر الهوى، وأطلق قلبه من سجن المعصية.
التائب يجد للطاعة حلاوة، وللعبادة راحة، وللإيمان طعماً، وللإقبال لذة.
التائب يجد في قلبه حرقة، وفي وجهه أسى، وفي دمعه أسراراً.
التائب منكسر القلب، غزير الدمع، رقيق المشاعر.
التائب صادق العبارة؛ فهو بين خوف وأمن، وقلق وسكينة.
اليوم ميلادي الجديد وما مضى موت بليت به بليل داجي
أنا قد سريت إلى الهداية عارجا يا حسن ذا الإسراء والمعراج
أيها المحروم! تب إلى الله، ذق طعم التوبة، وذق حلاوة الدمعة، اعتصر القلب وتألم؛ لتسيل دمعة على الخد تطفئ نيران المعاصي والذنوب اخل بنفسك اعترف بذنبك، ادع ربك وقل: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
ابك على خطيئتك، وجرب لذة المناجاة، اعترف بالذل والعبودية لله، تب إلى الله بصدق، ناج ربك وقل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
جرب مثل هذه الكلمات كما كان صلى الله عليه وآله وسلم يرددها.
أيها المحروم! (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً) كما عند مسلم في صحيحه.
اسمع لملك الملوك وهو يناديك أنت، اسمع إلى جبار الأرض والسماوات وهو يخاطبك أنت، وأنت من أنت؟! اسمع للغفور الودود؛ للرحيم الرحمن وهو يقول: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] .
ويقول سبحانه في الحديث القدسي: (يا عبادي! إنكم تذنبون في الليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم) كما عند مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر.
ويقول الله في الحديث القدسي الآخر: (يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة) كما عند الترمذي من حديث أنس وهو صحيح.
إذاً فيا أيها المحروم! ما هو عذرك وأنت تسمع هذه النداءات من رب الأرض والسماوات.
إن أسعد لحظات الدنيا يوم أن تقف خاضعاً ذليلاً خائفاً باكياً مستغفراً تائباً، فكلمات التائبين صادقة، ودموعهم حارة، وهممهم قوية، ذاقوا حلاوة الإيمان بعد مرارة الحرمان، ووجدوا برد اليقين بعد نار الحيرة، وعاشوا حياة الأمن بعد مسيرة القلق والاضطراب، فلماذا تحرم نفسك هذا الخير وهذه اللذة والسعادة! فإن أذنبت فتب، وإن أسأت فاستغفر، وإن أخطأت فأصلح، فالرحمة واسعة والباب مفتوح.
قال ابن القيم في الفوائد: ويحك لا تحقر نفسك، فالتائب حبيب، والمنكسر صحيح، إقرارك بالإفلاس عين الغنى تنكيس رأسك بالندم هو الرفعة اعترافك بالخطأ نفس الإصابة.
انتهى كلامه رحمه الله.
إذاً: العبودية لله عزة ورفعة، ولغيره ذل ومهانة.
أيها الحبيب، أيتها الغالية! إننا نفرح بتوبتك، ونسر لرجوعك إلى الله، وليس لنا من الأمر شيء.
عين تسر إذا رأتك وأختها تبكي لطول تباعد وفراق
فاحفظ لواحدة دوام سرورها وعد التي أبكيتها بتلاقي
عِدنا بالرجوع إلى الله، عِدنا بتوبة صادقة ونحن معك بكل ما تريد، نسر ونفرح، نمدك بأموالنا وأيدينا ودعائنا وليس لنا من الأمر شيء، إنما هو لنفسك.